الخميس، مارس 1

أغنِيةٌ لليقين(شعريوسف شعبان محمد يوسف مسلم)

-0-

ما بين فخٍ وآخر ٍ

يمتدُ جناحٌ

وما بين موتٍ وآخر ٍ

تولدُ حياةْ



-1-

فلأضحكُ إذاً

لأن بلادي تعلمني دائمًا

أن الحياةَ تسيرُ على ساقٍ من خشبٍ

وأخرى من سراب

لذا سأحترف الحجل

كي أفتش عن خطوة واحدة

لقدمين بشريتين



-2-

وحين أحب الحياة

تكرهني

تصلبني على باب قطار

فتفرُّ مني محطات النزول

وتنبت على صدري

مسامير حب

لأنها سرقت مني قمراً

كانت أهدتني إياه

ليكنس في عيني ظلمتها

ويطعمني خبزاً

أنضجه صهد المروءة



-3-

بالقرب من عينيك

ثمة لغة تتهجى أحلامي

ثمة أحلام تسوطني بجنون استحالتها

ثمة جنون يعدني بالفرح

بالضحك بالبكاء

بالحياة بالموت

بالمغامرة والمستحيل

بالقرب من عينيك

ثمة وعود مخبأة من أجلي

آه حبيبتي

وطن دون عينيك وطن عدو

يعلِّب دمي

نظير حفنة من قمح أمريكا

فمن أكون على باب القاهرة ؟!!!

هاهم رفاق صباي

المسرح والنيل

ونجمة يضوئها الرحيل

سأدعوهم جميعاً

لنشرب نخب القهر على مقهى الحرية

وحينما أسكر بلا دهشة

سأُجلِسك أمامي

كطفلة بضفيرتين طويلتين

بينهما يغرس الله من أجلي

- كل صبيحة -

نرجسة وبندقية

سأملأ جيوبي لك

باللوز وقوالب السكر والحكايات

وأقص عليك أحسن القصص

تلك التي لم تحكها جداتُنا

في ليالي الشتاء

وها أنت طفلة

في صباح ما

ستمرين على جسدي المسجَّى

وتغرسين صبارة في تقطيبة جاجبي

ثم تُطيّبين وجهى

بماء وردِك الأزلي

هل يُجدي ماءُ الورد

في مسح الرعب من تلك العيون ؟!

الجواسيس

والفضوليون

وأصحاب الفخامة والفضيلة

لن يكون بوسعهم أن يداروا حقدهم عليّ

سيسألونك بعيونهم النهمة :

من يكون لتمنحيه كل هذه الفراديس ؟!

فقولي لهم :

إنه الذئب الذي لا يخشى ناري

إنه المحارب الذي

علمتُه كيف يحشو بندقيته بالقرنفل

وعلَّمني كيف تكونُ القاهرة أُمًّا

وأختاً

وحبيبة.



-4-

اتقنت العصيانَ

حتى عصاني جسدي

ترى هل أقول قولي

أم أنه في فمي

لسانٌ ليس لي؟!!!



-5-



كان قلبي قبل ذلك

رذاذاً مشرداً

على زجاج النظارات الطبية

ولأن الحياةَ أقصرُ من نظري

وأغلظُ من جلد السياسيين

دربت وجهي

على كل المعارك والانقلابات

ليقود ثورةً ضد الخرائط

ولكن ....

كان لابد أن أفقأ عيني

كي أهرسَ فيهما وجوهَ أعدائي

كان لابد أن أنزفَ دمي

كي أُطَهّرَ عُروقي من خبزِ أعدائي

كان لابد أن أُحرِقَ جلدي كلِّه

لأغتسلَ من حريرِ أعدائي



-6-

لماذا

دائماً

تُلاحقُني

العُيون ؟!!!



-7-

في العيونِ التي لا تنام،

أرى وجهي مُكلّلاً بالوجوهِ البعيدة ،

بالذكرياتِ، الظلالِ، المقاهي،

أغاني الطفولةِ ،

دجاجات أُمِّي،

صبَاحاتِها المُضففة

بعطرٍ من الخبزِ البيتي

والشاي المُنعنع،

بفرحة أُختي

وهي ترى قامتي تطول،

يوماً بعد يومٍ،

فتختصر السنواتِ ما بيننا ،

وأظلُّ لديها الصغيرُ

الذي تتجَاسرُ في عُروقِه دماءٌ بدويةٌ،

عندما يغار،

فتربت على خدي قائلةً:

(( بعضُ الرجالِ يُشبهونك ..

لذلك نُسمِّيهم رجالاً )) .



-8-

في العيونِ التي لا تفيق،

أرى وجهي مضغُوطاً

بين رصيفٍ وحذاء،

يمُر بي النهارُ متخفيًّا

في سترةِ شرطيٍّ مُخنَّثٍ،

يُربي في قلبه القساوة..

يَشتمُني..

فأَشتمُه..

يَضربُني..

فأضربُه..

يطرحُني على الأرض..

يعفر عيني بكبشةٍ من رمادٍ يتجشَّأه..

يُفتِشُني..

فيُخرجُ من جيوبي

مُدناً وصحَارى وقبائل

شعراء وشيوعيين قدامى

وعُشَّاقاً ينحنُون، في جلالٍ،

على سيوفهم

التي خلَّفتها الهزائم .



-9-

هنا..

حيث لم يعد النيلُ نيلاًً،

ولا الروحُ تأوي إلى جسدٍ دافئٍ

في شتاءِ الغضبْ،

أرتب رأسي

كما ترتب الأم أيامها،

كأن القاهرة التي هاجرتني،

تعود أخيراً

بقلبٍ أوجعتْه المحبة،

تمسدُ شعري،

وتمنحُ عينيّ لمعةٌ أخيرة،

قبل انفجار المرايا.

كما تُرتب الأمُ أيامها ،

أرتب رأسي،

علّني أبتني فيها وطناً

أرتضيه ويرتضيني،

وليكن الحب

والشعر

والكوابيس،

شعباً يصيد عذاباته

في يقين لا يقين فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق