الخميس، مارس 1

انتحارُ البحر(شعرمحمد سالم البنا)

نَضَا البَحرُ يا مَحزونُ عنهُ نَوارِسَهْ

وأُبدِلَ بالمَوجِ المُراوِغِ يابِسَةْ

وأوقدَ مَرجانَ الحِدادِ بقاعِهِ

فَوَا عَجَبًا للنارِ في الماءِ جالِسَةْ

لأنفاسِكَ المُستَسلِماتِ صَدىً يُرَى

هُنا زَبَدًا، فاذهَبْ جُفاءَ الأبالِسَةْ

سُرادِقُ مَوتِ الخالِدِ الآنَ قائِمٌ

فأيُّ رِثاءٍ والقصائِدُ يائِسَةْ ؟

رَثاكَ البَليغُ البَحرُ قاتِلُ نَفسِهِ

فإن أنتَحِرْ أَلْفًا هُنا ، لَن أُنافِسَهْ

هُوَ اسمُكَ ، في الإسكندريَّةِ مُمسِكٌ

بِهِ بتَلابيبِ المُلوكِ البَطالِسَةْ

أُسائِلُهُمْ : هل غَدرةُ البَحرِ أنشَبَتْ

بِخُلدِ أخي أظفارَها المُتَقاعِسَةْ ؟

أم انسَلَّ مِن بينِ الرِّفاقِ مُصَمِّمًا

على أن يَموتَ اليومَ والشَّمسُ دارِسَةْ ؟؟

أخي لَمْ يُبِحْ للناسِ سِرَّ ابتسامِهِ

وأوجُهُهم في شِرَّةِ الوقتِ عابِسَة
ولم يَفهَمُوا – إذ يَضحَكُون – عُبُوسَهُ ..

لِمَن حَرُّ قَلبِ المَرءِ والناسُ قارِسَةْ ؟!

لقد صُنتَ سِرًّا بالوِفاةِ ، ولم أكُنْ

لأبغي لَهُ كَشفًا متى كُنتَ حارِسَهْ

إخالُكَ في أَضغاثِ حُلمي مُجَوِّلاً

على فَرَسٍ حَمراءَ مِن دَمِ فارِسَةْ

وأَنِّيَ ماشٍ عن يَمينِكَ ، بينما

يَقُصُّ كِلانا للرفيقِ هَلاوِسَهْ
في الماضي ، وثالِثُنا السُّدَى
(نُخَمِّسُ)

  
 ورابِعُنا موتٌ ، ويُسراكَ خامِسَةْ ..

تَشُدُّ بها سَرجَ الدُّخانِ ، فيَنجَلي

لنا ذلك الآتي ، لَنا أن نُلامِسَهْ

لنا أن نَشُمَّ الصَّوتَ أو نَسمَعَ الرُّؤَى ..

لماذا حَواسِي كُلُّها الآنَ سادِسَهْ ؟!

أخي ، قد جَهَدتَ الدابَّةَ ،

انظُرْ ، تَجِدْ لَها

من العَرَقِ المَسفُوحِ خَجلةَ آنِسَةْ

أخي ، أوشَكَ الدُّخّانُ أن يَملأَ السَّما

وقد سالَ أُفْقُ المُنتهَى بالقساوِسَهْ

كأنَّ جِنازًا في السماواتِ مُقبِل إلَينا

وحُزنًا يَشتَهي أن نُمارِسَهْ

لَكَ الفَرَسُ الحمراءُ فاضَت دَمًا ، فَهَلْ

تُغالِبُ هذا المَوْجَ والرُّوحُ ناعِسَةْ ؟؟

عَروسُكَ بيضاءُ الزِّفافِ، وقلبُها

مَسيحٌ تَزَيَّا بالسَّوادِ لِبائِسَةْ

تُجادِلُهُ: "هَلاّ أعَدتَ الذي مَضَى؟"

وتَبكي، ويَبكي إذ تَجُوبُ كَنائِسَهْ

أخي، صَوتُكَ الرَّنَّانُ مازالَ مُشرِقًا

على ليلةٍ لَيلاءَ ظَلماءَ دامِسَهْ

وذِكراكَ تُنسِي البَحرَ بَهجةَ مَوجِهِ

فيَقتُلُهُ حُزنًا، ويَنضُو نَوارِسَهْ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق