الأحد، مارس 10

إلى السَّاحرِ الأَبْيَض (شعر سلمى ممدوح المنشاوي)


"أريدُ أن أصرخَ، دونَ أن يشنقَنى وطنى، دونَ أن يزجرَنى كبريائى، دونَ أن تلاحقنى العيونُ التى أعرفها ولا أعرفها، بحاجةٍ إلى أرضٍ، أطؤها للمرةِ الأولى، أفتحُ لها ذراعىّ لتبكى ، تفتحُ لى حنجرتها .. لأصرخ!"



(1)

حقيبتى العجوزُ فارغة

إلا من قنينةِ أمل بها قطرةٌ واحدة

أدّخرها للغيبِ المجهول

والصفصافةُ الضريرةُ تتكأُ عَلَىّ

تقودُنى إلى السعادةِ

بكلِّ ما تَسَنَّى لها من عَمَى!

لقد أُطلقتْ خلفى أعيرةَ الخيبة التى تصيب

ولا يمكن ألا تصيب

فـ فقدتُّـنى فى بقعة

وافتقدتُّـنى فى أخرى

ووجدتُّنى – أخيرًا – أتقاسمُ البؤسَ

معَ شبحٍ ماتَ صغيرًا

أكبرُ قليلا من عمرى ..

حينَ مِتُّ



(2)

(زمجِـرْ على كَبِدى

على جُرحِى المدجَّجِ بالسوادْ

فالضَّىُّ فى إجازة

ووطنى فى حدادْ)



الغرابُ الخزفىُّ فى صدرى

- خلسةً -

صارَ حمامةً مرمرية

حين التقيتُكَ أيها الساحرُ الأبيض

المتوهِّجُ مثلَ شعلةٍ أبديّـة

وعلى مترينِ من جسدى ..

استعدتُ الروح

حين أهلتَ علىّ نثرةً سخيةً من "اليوسُفى"

حين أريتَنى الغمازتينِ فى سماءِ المدينة

وما كان لامرأةٍ – مثلى –

وُلدتْ من رحمِ الدهشة

أنْ تقاومَ رجلا ..

أتى من اللازمنْ!


(3)

(غابَ عنّا ألفُ بيتٍ

فى لحونِ السرمديّـة

حين ضاعَ الحبُّ منّا

حين تاهَ الوزنُ عنّا

حين "باعتنا" القضيّة

لملم الذكرى الحميمة

لم تعد فينا بقيّة)


على بُعدِ تنهيدة ..

علمتُ أنكَ "شاعر"

تتلذذُ باحتساءِ التراب

وحرثِ البحر ..

وتنسجُ قاربَ الحرية - ذا الأبعادِ العشرة –



قوافلُ المطرِ القادمةُ من "سويسرا"

والتى كانت تلعقُ جبينَك

خبَّئوها فى "الأدراج"

ولما قلتَ إن "الشمسَ" سرقَت نبضَك

شنقوكَ

وعبدوها!

لا غروَ إذن أن تبنى مسكنَك

من "المعلباتِ" الفارغة!


(4)

(رُشَّ المِلحَ على دمى، وضعنى كزجاجةِ "كاتشب" .. على موائدِ "الأثرياء")

على الضفةِ الأخرى للوجع

قابَ كابوسينِ من شرفتك المصمتة

أخفينا على شجرةِ البرتقال "النحيلة"

نبأَ إصابتِها "بالسرطان"

أهديناها "أحمرَ شفاه"

كالذى تستعملُه "الكلوديا"

وواسيناها عندما نَفَرَ منها "مصفِّفُ شَعرِ النرجس"

ظنًا منه أنها مصابة .. "بالبلهارسيا" ..

وحين ماتت ..

دفنَّاها .. فى العراءْ !


(5)

(الليلُ يأتى مثلَ حدِّ السيف

ينحرُ الأحلامْ

فتضمُّ أشلاءُ العذابِ صغارَها

وتقولُ للفجرِ الذبيحْ:

أنتَ المُلامْ!)



قبورُنا .. هياكلُنا

ولنا أقلامٌ لا تتضورُ – جوعًا – أبدًا

ومحابرُ لا تشيخ

قل لهم أنَّا الخلود

وهم الفناء ..



لماذا نحتاجُ بلّورَهم

واللؤلؤُ ينهمرُ من قلبينا

كلما ركضنا على تلَّةِ القرنفل؟!



ولماذا نخافُ من "الضِّباع"

وكلّ "أسودِ" البريّةِ تصفقُ لنا .. حين نرقص؟!

ولماذا نخشى المكان

وقد وهبتنا الدنيا - ذاتَ سخاء –

جزيرةً ربيعية بطعمِ البنفسج

على أعتابِ الفنار؟!



وحدنا نعلمُ أن "النجومَ"

هى "دموعُ" .. المظلومين!



(6)

دَعْ ذاكرتى الرماديةَ تغتسلُ بكْ

أيها المتمردُ الأزلىّ

الموغلُ فى كينونتى

بمئةِ فرحٍ وليد ..



أنت تزرعُ السوسنةَ على شفتىّ

وتعيدُ إلىّ أشيائى الضائعة

وتصنعُ لى نهرًا عاجيًّـا من الريحان

خلفَ الأحجارِ المنسيّة

فماذا احتاجُ أكثرَ من التفاتةٍ

صوبَ قصيدتِك

عن وطنٍ تنتشى به أحلامُنا

وعن آخر ..

ضاقَ علينا حتى سقطتْ ملامحه؟!



(ماذا أريدُ من الحياة

إلاكَ أنتْ

رُغمَ الحصارِ المستدير

رُغمَ الضبابِ على مشارفِ حلمنا

فى ظلِّ فرحٍ .. قد عَصَى



الحبُّ يُشبعُ روحَنا

فهو الكفافْ

حتى وإن كنّا ننامُ على الحصير

حتى وإن كانت لنا

جدرانُ بيتِ .. من حَصَى!)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق