الأربعاء، فبراير 6

إخوة .. يوسف! (شعر أحمد صلاح كامل)


أيها الصِّدِّيقُ أَعْرِضْ عن توسلِهمْ
ولا تُعْرِضْ عَنِ الْحزنِ الْمُقَطَّرِ في عِيونِكَ
أنتَ فوقَ العرشِ
فَاحْكُمْ في رقابِ الْخارجينَ عليكَ
والْمُتآمرينَ لحصدِ رأسكَ
إِنَّهم خانوكَ حينَ أَمِنْتَهُم طِفلاً
وباعوا أمْنَكَ النَّفْسيَّ لِلْعِيرِ الغريبةِ بالدراهمِ
أَيُّ شيطانٍ تربَّعَ في قلوبِ القومِ
كي يَهِبُوكَ عُرياناً إلى هذا الضَّياعْ ؟!
قُلْ لهم يا أيُّها الأسباطُ
مالي أكتوي بالحقدِ منكم ثم تأتوني جياعاً
تأكلونَ عطاءَ كفي
هَلْ لكم عَقلٌ لينهاكم عن الأسفِ المُذِلِّ
أمامَ عينيَّ الغريقةِ فى الدموعْ ؟!
أَمْ تُرَاكُمْ لا تُحَرِّكُكُمْ سِوىَ تِلكَ الْبُطُونْ ؟!
فَاذْكُروا جُوعي وخَوفي
حينَ رَوَّعني ظلامُ البئرِ إذ أنتمْ جميعاً تضحكونْ
واذكروا أبتي الذي سكنَ الظَّلامُ عيونَهُ
أسفاً على موتي الكذوبْ
أَيُّ عُذْرٍ بَعْدَ هَذا الجُّرْمِ تَبْتَكِرُونَ عِنْدِي
كَيْ أُسَامِحَكُم عَلَى هَذَا الْخَرَابْ ؟!
أَيُّ خُبزٍ سَوْفَ أُطْعِمُكُمْ على هذا الولاءْ ؟!
إِنَّكُمْ تَرْجُونَ أَنْ يَخْلُو لَكُمْ وَجْهِي
وكُنتمْ قبلُ .. لا تَرْجُونَنِي إِلَّا قَتِيْلاً  أَوْ غَرِيقْ
وجهُ يُوسُفَ صَارَ مِرْآةً تُعَرِّي خُبْثَ أَوْجُهِكُمْ
وتُسقِطُ كُلَّ أقنعةِ الخداعْ
فَانْظُروا وَجْهِي وقُولُوا
كَيْفَ شَاةٌ شَابَهَتْ بِدِمَائِها دَمِيَ الرَّخيصْ ؟!
انظروا وَجْهِي وقُولُوا
هَلْ أَنَا الْمَأْكُولُ مِنْ ذِئْبٍ غَرِيرْ ؟!
ما الذي تَبْغُونَ مِنْ مَوتِي ومَوتِي موتُكمْ ؟!
فَارْفَعُوا أَعْنَاقَكُمْ لِيْ وانظروني جيداً
_ أنتَ يُوسُفُ
_ لا لسْتُ يُوسُفَ
بَلْ جَرِيمتُكمْ فماذا تأملونْ ؟!
جِئْتُمُونِي ليسَ إيماناً بصدقِ نبوءَتي ..
أنْتُمْ أَتَيْتُمْ عَاجزينْ
ما الذي كُنْتُمْ سَتَقْتَرِفونَ لو قُلِبَتْ حكايتُنا
وكنتُ مكانَكُم أنتُمْ .. وكُنْتُمْ غَالبينْ ؟!
جِئْتُمُونِي إخوتي الفُرقَاءُ .. والرُّفَقَاءُ في وَجَعِي
وكفِّي لمْ تَعُدْ تَهْوِي بسيفٍ أو عَطاءْ
فَاهْنَأوا بالعفوِ من كفِّي التي عَجزتْ عَنِ الثَّأْرِ المُنِيمْ
وامْلأوا مِنْها التَّعاسةَ فَهْي لا تَهِبُ الطَّحينْ
جِئْتُمُونِي في زمانِ الجَّدْبِ
لا سَبْعٌ سِمَانٌ سوفَ أُطْعِمُكُمْ
ولا عِنْدِي خَزِينْ
فَارْجِعُوا بِالْعِـيْرِ خَاويةً
فَليسَ لديَّ قَمْحٌ
كَيْ أُكَافِئَكُمْ عَلى السَّفَرِ الطَّويلْ
اِرْجِعُوا بِالْعِـيْرِ خَاويةً
ولا تَنْسَوا قَمِيصِي
بَلِّلُوه بِدَمْعِ أَعْيُنِكُمْ وقُولُوا
ما لَنَا جِئْنَا وعُدْنا خَاسِئينْ ؟!
بَلِّلُوه بِدَمْعِ أَعْيُنِكُمْ وقُولُوا
يا أَبَانَا قَدْ مُنِعْـنا الْكَيْلَ لَمْ نَكْتَلْ بَعِيرْ !!
إِنَّه الذِّئْبُ الذي اخترعَتْهُ شَهْوَتُكُمْ
تَنَاسَخَ ألفَ ذِئْبٍ في الْمدائنِ والحقولْ
لَمْ تَكُنْ تَدْرُونَ
أَنَّ الأرضَ حُبْلَىَ بالذي غَرَسَتْهُ أَيْدِيكُم
وأَنَّ الوقتَ ماءْ
لَمْ تَعُدْ تُجْدِي الْبَرَاءةُ مِنْ قَتِيْلٍ نَحْوَ قاتلِهِ
فَقَدْ ظَهَرتْ بِحَجْمِ الأرضِ فِرْيَتُكُمْ كَشَوكٍ
مُدَّ فِي عَينِ السَّماءْ
أَيُّ خِزْيٍّ سَوفَ تَنْتَخِبُونَ يا صُنَّاعَ جُوعِي
غَيْرَ خِزْيِّ الموتِ في الأرضِ الْبَوَارْ ؟!
أَيُّ عَجْزٍ سَوفَ تَخْتَارُونَ أَوْ يَخْتَارُ قَومي ؟!
غَيْرَ عَجْزِ الجُّوعِ بينَ ثِمَارِ حَنْظَلِكُمْ
وأَشْجَارُ الْخِيَانَةِ كالأراكْ
لَمْ يَعُدْ عَفْوي يُزِيدُ مَكَانتي شَرَفَاً
ولا تِلكَ الْبَرَاءَةُ سَوفَ تُشْبِعُكُمْ
فَهِمُّوا بِالْمَسِيرْ
وانْشُرُوا هَذا الْقَمِيْصَ عَلَى أَبِيْكُمْ
إِنْ غَدا حيَّاً
فَلَنْ يَغْدُو بَصِيرْ

...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق