الاثنين، فبراير 25

وجه أمى لا يعرف التجاعيد (شعر نهى السيد محمد عبد الحفيظ)


دثرينى يا أمى بأغطيتك الصوفية
إننى أرتعد بردا
شتاء سراييفو قارس
ولم يعد حنيني إليكِ كافيا لتدفئتى
أنا هنا فى البلاد الأوروبية
وأنتِ هناك فى الأراضي المحتلة
نبتعد مئات الفصول
وملايين السنوات الضوئية
بالقرب من نهر درينا
أجلس لأنفرد بغربتى
أحلم يوما بالعودة
أراقب الجسور وحصون المدينة القديمة
وأحتسي قهوتي البوسنية
أضع على طاولتى
الكعك والشيكولاتة البيضاء
قطع السكر والملبن
أحتفى بممتلكات لا تتعدى حجم صينية نحاسية
أرافق صديقات
لم تتخلص أحشاؤهن
من المُضَغ المُلقَّحة غصبا
بهنيئة الهجمات الصربية
حملن عارا
وأنجبن جريمة
على مرأى ومسمع
من كل الدول الإسلامية
خلعت ملابس إحرامى
وارتديت ملابس امرأة عصرية
تحمل فى حقيبة يدها
العطور والمساحيق
كتب الفلسفة والجرائد الفرنسية
وتحت المعطف السميك
كتبت بامتداد جسدى
لا للتهويد
لا للتشريد
فاعتقلونى
بتهمة حمل قلم رصاص
ومعاداة السامية
اقتلعوا إنسانيتي
صادروا شفاهى ورؤوس أصابعى
غيروا فصيلة دمى
خشية أن تتحول كرياتى الحمراء إلى حجارة
فتحفز الخلايا الاستشهادية
ثم دونوا اسمى فى قائمة الراسبين فى مادة التاريخ
خبريهم يا أمى أن القدس عربية
خبريهم أن التاريخ لا يصاغ فى الحانات والملاهى الليلية
ولا يكتبه المرتزقة بكعوب البنادق ودوى الطلقات النارية
واعذرينى يا أمى
ما عادت هويتى الفلسطينية
ولا أوراق ثبوتيتى الشرعية
تسمح لى بعبور الحدود
استوقفتنى نقاط التفتيش
ودوريات الكمائن الوحشية
سحقت آدميتى
أهدرت كرامتى
تحت مسمى
الدواعى الأمنية
غصبا غيرت محل اقامتى
انتميت زورا لبلاد
منحت ملامحى اللقيطة
شرف الانتساب اليها
دون أن أحمل فى يدى حقائب دبلوماسية
أو أزين أكتافى بالأوسمة العسكرية
فصَلِّى من أجلنا يا أمى
من أجل أبناء لا زالوا على قيد الشتات
فارين من المذابح وزحف المستوطنات
اختنقوا برائحة الجثث المتحللة فى المخيمات
وتحت الجرافات
تبعثروا كأطفال الشوارع فى الضواحى والطرقات
تجمهروا أمام السفارات
أشعلوا النيران فى الأعلام والشعارات
ابتاعوا الصبر فى مواسم التنزيلات

وتهجدى يا أمى
تهجدى
وأكثرى من البكاء والدعاء
أنذرى ما تبقى من عمرك
قيامًا وسجودا
تحت القبة الخضراء
أضيئى المزيد من الشموع
للمسيح والسيدة العذراء
قبلى عنى ضحايا المذابح
وأطلقي الزغاريد خلف جثمان الشهداء
ثم اكتبى يا أمى بحروف آرامية
على جدار بيتنا المهدوم
وبطول حائط المبكى
الأرض كنعانية
لا جذور لكنيس الخراب
لا آثار للهياكل العبرية
لن تتغير حدود الجغرافيا
بزحف الدبابات
وقصف الغارات الليلية
لن يخلق أبدا سلام
مبلل بدماء التصفيات الجسدية
ودعيهم يستقطبوا ما يشاءون من العملاء
بدهاء عناصرهم الاستخباراتية
دعيهم يقيموا التكتلات
ويصيحوا كالديكة فى المنابر الإعلامية
وانتظرينا يا أمى سنعود يوما
مع شرفائك الذين لم يتاجروا يوما بالقضية
ولم تتلوث ذمتهم
بحسابات البنوك السويسرية
سأعود
لأسجل أسماء أبنائى فى حقول الكروم
على أشجار الزيتون
وفى كل المعابر والأنفاق السرية
سأرفع رفات أهلى وجلودهم المهترئة
من آلات التعذيب الإسرائيلية
سأردد أنا وأبنائى
أنشودة الجهاد
فى الخليل ونابلس
وبيت لحم وطبريا
لن نكتفى بالوقفات الاحتجاجية
والبكاء باستنجاد فى المداخلات الهاتفية
لن نتلصص عليكِ بعد الآن
من ذبذبات مترددة لأطباق سطحية
تبث لقطات الرعب اليومى
بتوقيت القاهرة الثائرة
وطهران المترقبة
ودمشق الثكلى
وبغداد المفخخة
والجولان المحتلة
وقطر الخاضعة
والرياض المتورطة
والكويت المتحيزة
ودبى المغامرة
ومسقط المنعزلة
وعمان المتوارية
وبيروت الممزقة
والرباط الصامتة
وباكستان المقهورة
والصومال الجائعة
والمنامة المحتجة
وأنقرة الطامحة
وتونس المكلومة
وصنعاء الحزينة
وطرابلس المتناحرة
والسودان المنقسمة
وغزة المحاصرة
ترددات تبث لقطات الإدانة
بتوقيت التقاعس
فى كل العواصم العربية
فلا تبكي يا أمى
جفت الأقلام
ورفع الأذان فى رام الله
اذهبى الآن
حان وقت الصلاة
ولا تنسى
ستظل القدس صبية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق